كانت امرأةٌ فقيرةٌ تعيشُ مع ابنتها
في كوخٍ صغيرٍ، وفي إحدى ليالي الشتاء سمعتِ الفتاةُ دويًّا مُزعجًا، فَفَتَحَتْ
النّافذة لتعلمَ الخبرَ، فرأت الأمطارَ تهطلُ غَزيرةٌ، والثلوجَ المتراكمةَ قد ذابت، وجرى ماؤها إلى النهرِ المجاورِ حتّى
فاضَ على الجانبين ووصل إلى قنطرةٍ عظيمةٍ تمرّ فوقها سكة حديدٍ، فخلع أعمدتها
وهدم بنيانها فسقطت في الماءِ وكان لها ذلك الدوّيُّ العظيمُ.
امتلأ قلبُ الفتاةِِ خوفًا وحزنًا
لأنها تعلمُ أنَّ القطارَ سيطلُ بعد قليلٍ ويقعُ في النهرِ، فتحدُثُ كارثةٌ
مروِّعةٌ.أيقظت الفتاةُ أمها وأخبرتها بسقوطِ القنطرةِ. فقالت لها: أسرعي وأحضري
ما عندنا من الحطب والخشب القديم، لنشعله في طريق القطارِ، حتّى يراهُ السائق من
بعدٍ فيوقفهُ قبلَ أنْ يصلَ على القنطرةِ.
أشعلتا النارَ فارتفعَ لهبها في
الظَّلامِ. وما هي إلا دقائقَ حتّى وصل القطارُ، فرأى السائقُ النّارَ مشتعلةً،
وبجانبها فتاةٌ تحمل ثوبًا أحمرَ تلوِّح به في الهواء. فأوقف القطارَ ونَزَلَ يسأل
عن الخبرِ، ولما عَرِفَ حقيقةَ الأمرِ شكرها، وأعلمَ الرُّكابَ بالقصة، فعرضوا
عليها مكافآتٍ كثيرةً، إلا أنها أبت أن تأخذ عن المعروفِ أجرًا، فزادَ إجلالُ
النّاس لها.